الجمعة، 9 أكتوبر 2009

إمامة الإمام الجواد عليه السّلام



بسم الله الرحمن الرحيم

إمامة الإمام الجواد عليه السّلام
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 50401 ) حقوق النشر محفوظة

منقول عن الدكتور الشيخ سجاد الشمري

بعد التحاق الإمام الرضا عليه السّلام بالرفيق الأعلى، كان عمر الإمام الجواد عليه السّلام سبع سنوات وهذه الإمامة المبكرة كانت أول ظاهرة ملفتة للنظر عند الشيعة أنفسهم فضلاً عن غيرهم. واحتار بعض رموز الشيعة فضلاً عن غيرهم بالرغم من التمهيد لهذه الظاهرة من قبل الإمام الرضا عليه السّلام قبل إشخاصه إلى خراسان وبعده. من هنا اجتمع جملة من كبار الشيعة في بيت أحدهم يتداولون في أمر الإمامة، وكان من بين هؤلاء المجتمعين :
[ الريّان بن الصلت، ويونس، وصفوان بن يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمن بن الحجاج ]، فجعلوا يبكون، فقال لهم يونس : دعوا البكاء حتى يكبر هذا الصبي - أي الإمام الجواد عليه السّلام - فردّ عليه الريان بن الصلت قائلاً :
« إن كان أمر من الله جلّ وعلا، فابن يومين مثل ابن مائة سنة وإن لم يكن من عند الله فلو عمَّر الواحد من الناس خمسة آلاف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه، وهذا مما ينبغي أن ينظر فيه ... »(1).
ويتّضح من النص السابق تأكيد الريّان على مفهوم الإمامة باعتبارها منصباً إلهياً كالنبوة من حيث الاختيار والانتخاب لهذا المنصب. فإنه بيد الله سبحانه، قال تعالى : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وليس للناس فيها أمر واختيار.
عصر الإمام الجواد :
عاصر الإمام الجواد عليه السّلام من خلفاء بني العباس المأمون 198 - 218هـ والمعتصم 218 - 227هـ، وكان المأمون يتظاهر بالتودّد للإمام الجواد عليه السّلام وزوّجه ابنته أم الفضل، ومن قبل قد صاهر المأمون الإمام الرضا عليه السّلام وولاّه عهده وقرّب العلويين(2). أمّا حكم المعتصم فكان حكماً استبدادياً مقروناً بشيء من العطف وحسن التدبير، وقد وصفه المسعودي(3) بحسن السيرة واستقامة الطريقة.
وقد اعتمد الخلفاء العباسيون الأوائل في إنشاء حكومتهم واستمرارها على الفرس دون العرب وأسندوا إليهم المناصب المدنيّة والعسكرية، مما أدى إلى سيادة الفرس في مختلف الميادين وضمور دور العرب في الدولة العباسية ومؤسساتها المختلفة، وأثمرت هذه الظاهرة التنافس بين العرب والفرس، حتى جاء المعتصم - وكانت أمه تركيّة - فاعتمد على العنصر التركي واتّخذهم حرساً له، وأسند إليهم مناصب الدولة وقلّدهم ولاية الأقاليم البعيدة عن مركز الخلافة وأخرج العرب من ديوان العطاء وأحل محلهم الترك فحقد العرب والفرس عليهم جميعاً.
ولم يقتصر الصراع على ما كان بين العرب والفرس والترك بل تعدّاه إلى قيام المنافسة بين العنصر العربي نفسه، فاشتعلت نيران العصبية بين عرب الشمال المضريين، وعرب الجنوب اليمنيين(4). وهذا يوضح لنا شدّة الصراع داخل الأُسرة الحاكمة نفسها.
فكان شعب الدولة العباسية في نهاية العصر الأوّل يتكون من :
1 - العرب ( المضريين واليمنيين ).
2 - الفرس ( الخراسانيين ) الذين ساعدوا العباسيين في إنشاء حكومتهم.
3 - الترك، الذين آلت إليهم إدارة الدولة.
4 - أهل الذمة ( أهل الكتاب ) وهم : اليهود والنصارى.
وكانت الطوائف الدينية منفصلة بعضها عن بعض تمام الانفصال، وكان لا يجوز للمسيحي أن يتهوّد ولا لليهودي أن يتنصّر، واقتصر تغيير الدين على الدخول في الإسلام، وكان الرقيق يكوّنون طبقة كبيرة من طبقات المجتمع الإسلامي وكانت سمرقند تُعدّ من أكبر أسواق الرقيق، إذ كان أهلها يتخذون ذلك صناعة لهم يعيشون منها.
وكان لاتساع رقعة الدولة العباسية، ووفرة ثرواتها، ورواج تجارتها أثر كبير في خلق نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل حتى لقد غداً الناس جميعاً من الخليفة إلى العامة طلاباً للعلم أو على الأقلّ أنصاراً للأدب، وكان الناس في عهد هذه الدولة يجوبون ثلاث قارّات سعياً إلى موارد العلم والعرفان ليعودوا إلى بلادهم وهم يحملون أصنافاً من العلم، ثم يصنّفون ما بذلوه من جهد متصل بمصنفات هي أشبه شيء بدوائر المعارف، والّتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم إلينا بصورة لم تكن متوقعة من قبل(5). هذا في الشرق الإسلامي.
وأما في الغرب فقد نافست قرطبة بغداد والبصرة والكوفة ودمشق والفسطاط فأصبحت حاضرة الأندلس حتى جذبت مساجدها الأُوربيين الذين وفدوا لارتشاف العلم من مناهله والتزوّد من الثقافة الإسلامية، ومن ثم ظهرت فيها طائفة من العلماء والشعراء والأُدباء والفلاسفة والمترجمين والفقهاء وغيرهم. ولم يقتصر اهتمام العلماء المسلمين على العلوم النقلية مثل علم التفسير، والقراءات وعلم الحديث والفقه والكلام، بل شمل اهتمامهم العلوم العقلية، كالفلسفة، والهندسة، وعلم النجوم، والطب، والكيمياء، وغيرها.
وفي العصر العباسي الأول اشتغل الناس بالعلوم الدينية وظهر المتكلّمون وتكلّم الناس في مسألة خلق القرآن، وتدخّل المأمون في ذلك، فأوجد مجالس للمناظرة بين العلماء في حضرته، ولهذا عاب الناس عليه تدخّله في الاُمور الدينية كما عابوا عليه تفضيل علي بن أبي طالب عليه السّلام على سائر الخلفاء(6).
وفي هذا العصر ظهر صنفان من العلماء :
الصنف الأول : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم النقل والاستيعاب ويسمون أهل علم.
والصنف الثاني : هم الذين كان يغلب على ثقافتهم الابتداع والاستنباط ويسمون أهل عقل(7).
كما نشطت في هذا العصر أيضاً، في ميدان الفقه مدرستان : مدرسة أهل الحديث في المدينة ومدرسة الرأي في العراق.
الحالة السياسية :
كانت تولية العهد إلى أكثر من شخص واحد عاملاً مهمّاً في اختلال الوضع الأمني داخل الدولة الإسلامية نتيجة التنازع والصراع على السلطة بين ولاة العهد لأن أحدهما كان يرى أن يولي العهد ابنه بدلاً عن أخيه الذي سبق أن عهد إليه أبوه بالولاية كما تجلّى ذلك بوضوح في عهد الأمين والمأمون(8).
وقد كان الأمين شديد البطش لكنه كان عاجز الرأي ضعيف التدبير وتجلّى ضعف تدبيره في الاضطرابات التي نشأت نتيجة صراعه مع المأمون على السلطة، والتي استمرت من سنة 93 - 98هـ حيث تمكن أعوان المأمون من قتل محمد الأمين والاستيلاء على بغداد، ومن ثم تفرّد المأمون في إدارة الحكم وعزل قوّاد وولاة أخيه الأمين، وأبدلهم بأنصاره وأعوانه الذين مكّنوه من الانتصار على الأمين.
وفي عهد المأمون قد حدثت عدّة ثورات وحركات مسلّحة تمكن منها جيش الدولة، وأعاد الأمصار التي حصلت فيها تلك الثورات وانفصلت عن الدولة إلى الخضوع إلى سلطان الخليفة، وكان بعد استقرار الوضع واستتباب السيطرة للمأمون أن قام بغزو بلاد الروم عام 217هـ(9).
ويصور أحد شعراء العصر العباسي الأول - من أهل بغداد وهو يعرف بعلي ابن أبي طالب الأعمى - الحالة السياسية والاجتماعية في هذه الفترة من زمن الدولة العباسية فيما أنشده بقوله :
أضاع الخلافة غِشُّ الـــوزير وفِسقُ الإمام ورأي المشير
وما ذاك إلاّ طـريق الغــــرور وشر المسالك طُرقُ الغرور
فعــال الخليفة أعجــــــوبــــة وأعجب منـه فعال الــــوزير
وأعجـــــب من ذا وذا أنــــنا نبايع للطفل فيــــــنا الصغير
ومن ليس يُحسن مسح أنفه ولم يخل من متنه حجرُ ظير
وما ذاك ، إلاّ بباغ وغـــــــاو يريدان نقض الكتاب المنــير
وهذان لولا انقلاب الــــزمان أفي العير هذان أم في النفير
ولكنهـــــا فتــــن كالجــــــبال نرتع فيها بصنع الحقــير(10)
ولما قتل الأمين حمل رأسه إلى خراسان إلى المأمون فأمر بنصب الرأس في صحن الدار على خشبة، وأعطى الجند، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه، فكان الرجل يقبض ويلعن الرأس، فقبض بعض العجم عطاءه فقيل له : إلعن هذا الرأس.
فقال : لعن الله هذا ولعن والديه وما ولدا وأدخلهم في كذا وكذا من أُمّهاتهم.
فقيل له : لعنت أمير المؤمنين !! بحيث يسمع المأمون منه فتبسّم وتغافل، وأمر بحطّ الرأس ورده إلى العراق(11).
وجابه حكم المأمون تحديات عديدة وخطيرة كادت أن تسقط دولته وأهم الأحداث التي كانت أيام حكومته هي :
1 - ثورة ابن طباطبا(12) سنة 199هـ بقيادة أبي السرايا.
وهي من أعظم الثورات الشعبية التي حدثت في عصر الإمام الجواد عليه السّلام وقد رفعت شعار الدعوة إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وآله. وكادت أن تعصف هذه الثورة بالدولة العباسية إذ استجاب لها الكثير من أبناء الشعب المسلم. واستطاع أبو السرايا بعقله الملهم أن يجلب الكثير من أبناء الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام ويجعلهم قادة في جيشه مما أدّى إلى اندفاع الجماهير بحماس بالغ إلى الانضمام لثورته.
ووجّه إليه المأمون، زهير بن المسيب على عشرة آلاف مقاتل، ولكن زهيراً انهزم جيشه واستبيح عسكره، وقد قوي شأنهم بعد ذلك وهزموا جيشاً آخر أرسله المأمون إليهم، واستولوا على واسط.
ثم التقى بهم جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين، فهرب أبو السرايا إلى القادسية، ودخل هرثمة إلى الكوفة، ثم قتل أبو السرايا، وكان ذلك في سنة 200هـ(13).
2 - ولاية العهد للإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام.
وفي سنة إحدى ومائتين فرض المأمون على الإمام علي بن موسى الرضا قبول ولاية العهد وأمر عمّال الدولة برمي السواد ولبس الخضرة فشقّ ذلك على العباسيين وقامت قيامتهم بإدخاله الرضا عليه السّلام في الخلافة فخالفوا المأمون وبايعوا عمه المنصور بن المهدي فضعف عن الأمر، وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه ابراهيم بن المهدي فبايعوه وجرت لذلك حروب عديدة(14).
وبعد أن عجز المأمون عن تحقيق اغراضه من فرض ولاية العهد - كما يريد - على الإمام الرضا عليه السّلام قام بدس السمّ إليه واغتياله وذلك في سنة ثلاث ومائتين(15).
3 - أحداث سنة ست ومائتين : وفي هذه السنة استفحل أمر بابك الخرّمي بجبال آذربيجان وأكثر الغارة والقتل وهزم عسكر المأمون وفعل القبائح(16).
4 - أحداث سنة تسع ومائتين : وفي هذه السنة ظهر نصر بن اشعث العقيلي، وكانت بينه وبين عبد الله بن طاهر الخزاعي قائد جيش المأمون حروب كثيرة وطويلة الأمد(17).
5 - غزو بلاد الروم : وفي سنة خمس عشرة ومائتين غزا المأمون بلاد الروم وأقام هناك ثلاثة أشهر وافتتح عدة حصون وبثّ سراياه تغير وتسبي وتحرق ثم قدم دمشق ودخل إلى مصر(18). وامتدت هذه الحروب أكثر من سنتين، وقد أسّرت الروم قائد جيش المأمون وحاصرت جيش المسلمين عام 217هـ.
الإمام الجواد عليه السّلام والمأمون العباسي :
لقد انتهج المأمون سياسة خاصة تجاه الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام تباين سياسة أسلافه من ملوك بني العباس. ويُعد هذا التحول في العلاقة بين السلطة والأئمة دليلاً على اتّساع المساحة التي كان يشغلها تأثير الأئمة وسط الأُمة والمجتمع الإسلامي مع إنشداد الغالبية المؤثرة بالأئمة عليهم السّلام والقول بمرجعيتهم الفكرية والروحية، وكانت ولاية العهد للإمام الرضا عليه السّلام أحد أوجه هذا التحول في السياسة والذي يعبر عن ذكاء ودهاء المأمون في محاولته تلك للحد من تأثير الإمام عليه السّلام ووضعه قريباً منه لتحديد تحركه وتحجيم دوره إضافة لرصد تحركه وتحرك القواعد الشعبية المؤمنة بقيادة أهل البيت عليهم السّلام ودورهم الريادي في الأُمة، فبعد استشهاد الإمام الرضا عليه السّلام عمد المأمون إلى إشخاص الإمام الجواد من المدينة إلى بغداد وتزويجه بإبنته أم الفضل مع احتجاج الأسرة العباسية على هذا التقريب والتزويج، فالمأمون كان بعيد النظر في تعامله هذا، وكان يرمي من ورائه إلى أهداف تخدمه وتضفي نوعاً من الشرعية على سلطته، وقد خدع الأكثرية من أبناء الأُمة بإظهاره الحبّ والتقدير للإمام الجواد عليه السّلام من أجل إزالة نقمتهم التي خلّفتها عهود الخلفاء قبله لاستبدادهم وبطشهم فضلاً عن إسرافهم في اللهو والترف وخروجهم عن مبادئ الإسلام الحنيف في كثير من مظاهر حياتهم الخاصة والعامة، ومما يؤكد لنا وجهة النظر هذه في سياسة المأمون أنه في عام 204هـ وفي شهر ربيع الأول قدم بغداد ولباسه ولباس قواده وجنده والناس كلهم الخضرة فأقام جمعة - اي سبعة أيام - ثم نزعها وأعاد لباس السواد(19). والذي كان قد أمر بنزعه بعد توليه الحكم والعهد بالولاية من بعده للإمام الرضا عليه السّلام سنة 201هـ(20). والتي انتهت باستشهاد الإمام الرضا عليه السّلام بعد دس السم له سنة 203هـ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] دلائل الإمامة : 205.
[2] تاريخ الإسلام : 2 / 66 - 67 للدكتور حسن إبراهيم حسن.
[3] مروج الذهب : 3 / 476.
[4] تاريخ الإسلام : 395.
[5] تاريخ الإسلام : 2 / 321 - 323.
[6] تاريخ الإسلام : 2 / 321 - 323.
[7] تاريخ الإسلام : 2 / 324.
[8] مروج الذهب : 4 / 350 - 353.
[9] تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أحداث السنين 199 - 217هـ.
[10] مروج الذهب : 3 / 397.
[11] مروج الذهب : 3 / 414.
[12] هو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
[13] تاريخ الذهبي، دول الإسلام : 112 - 113.
[14] تاريخ الذهبي، دول الإسلام : 112 - 113.
[15] إثبات الوصية : 181 - 183.
[16] تاريخ الذهبي، دول الإسلام : 114.
[17] تاريخ الذهبي، دول الإسلام : 115 - 117.
[18] تاريخ الذهبي دول الإسلام : 115 - 117.
[19] تاريخ اليعقوبي : 2 / 193.
[20] تاريخ أبي الفداء : 1 / 328.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق